5551.jpg

الباب الأوّل : الخروقات المسجلة في الأبحاث الإبتدائيّة

 

 

" لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة"

(المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)

  

الفصل الأوّل : إدارة أبحاث استثنائية و لا قانونيّة :

 

 

1.1-          عندما يستمر عمل إدارة أمن الدولة رغم أحكام القانون

 

يذهب بعض رجال القانون إلى ربط الوجود القانوني لإدارة أمن الدولة وأعوانها بوجود محكمة أمن الدولة كمحكمة استثنائية تختصّ بالنظر في قضايا المساس بأمن الدولة الداخلي والخارجي و يفسّرون ذلك بأنّ  المشرّع بعد أن أعطى صلب القانون عدد 17 لسنة 1968 المؤرخ في 02/07/1968 للوكيل العام للجمهورية حق إثارة الدعوى العمومية أمام المحكمة المذكورة أوكل لضباط وأعوان إدارة أمن الدولة القيام بمهام مساعدة الوكيل العام المذكور فاستمدت إدارة أمن الدولة مما تتمتع به المحكمة من سلطات استثنائية صلوحيّات استثنائيّة لتختصّ  بالبحث في كل القضايا التي تهم أمن الدولة كما خوّل لها المشرع إجراء الأبحاث في كل مكان من تراب الجمهورية دون تقيد بمرجع النظر الترابي طبق أحكام مجلة الإجراءات الجزائية لشمول مرجع نظر المحكمة لكل التراب الوطني ومثلما كان قضاة التحقيق لدى المحكمة المذكورة يتمتعون بصلوحيّات غير عادية كان أعوان إدارة أمن الدولة كذلك يتمتعون بصلوحيّات استثنائية لا يتمتع بها غيرهم من أعوان الضابطة العدليّة في حين يذهب آخرون إلى أنّ إدارة أمن الدولة هي مجرّد إدارة أمنيّة موروثة عن الوجود الفرنسي في تونس و لم يقع التنصيص على وجودها حتّى في القانون المنظم لمحكمة أمن الدولة و بسبب ذلك لا نجد أثرا للتنصيص على أعوان الإدارة المذكورة صلب مجلة الإجراءات الجزائيّة و مجلة المرافعات و العقوبات العسكريّة كأعوان ضابطة عدليّة أو عسكريّة لأنهم لم يكونوا يوما ما مساعدون لوكلاء الجمهوريّة أو لوكيل الدولة لدى المحكمة العسكريّة بل كانوا يستمدّون وجودهم (من خارج أحكام المجلتين المذكورتين) من الأمر الواقع المفروض على الجميع قبل الإستقلال  و بعده دون نصّ قانوني و في أحسن الحالات يستمدّ الأعوان المذكورين وجودهم القانوني حسب البعض من القانون الخاص المنظم لمحكمة أمن الدولة بصفتهم مساعدين للوكيل العام للجمهورية فيما قد يقوم به مهام النيابة العمومية لدى المحكمة المذكورة لا من وجودهم الفعلي فقط كإدارة أمنيّة مهيمنة أضحى لها بمرور الأيّام دورا فاعلا في البحث و التحرّي بل و في تحديد سياسات البلاد و توجّهاتها. و بصرف النظر عن أسس وجود هذه الإدارة كان من الطبيعي أن تفقد إدارة أمن الدولة وجودها القانوني وأن تحال القضايا التي كانت من أنظارها إلى أعوان الضابطة العدليّة أو العسكرية حسب الحالة بصدور القانون عدد 75 لسنة 1987 المؤرخ في 29/12/1987 والذي تم بموجبه حل محكمة أمن الدولة وإلغاء الوكالة العامة للجمهورية كإلغاء كل المؤسسات القضائية المرتبطة بالمحكمة المذكورة (مثل مؤسسة قاضي التحقيق لدى محكمة أمن الدولة) إذ يعتقد كثير من رجال القانون أنه لا يعقل أن تحل المحكمة وتلغى كل المؤسسات القضائية المرتبطة بها لتحال كل القضايا التي كانت من أنظارها إلى القضاء العدلي ويستمر نشاط الأعوان المساعدون لها ( لو افترضنا جدلا أنّهم كذلك) بنفس الصلوحيّات والاختصاص خارج إطار القانون خاصة وأنّ القانون عدد 79 لسنة 1987 لم ينص على أي استثناء كما أنّه لم يتم تحوير أحكام مجلتي الإجراءات الجزائية والمرافعات والعقوبات العسكرية بما يعطي لأعوان الإدارة المذكورة صفة الضابطة العدلية أو العسكرية كما أنه لم يصدر أي نص خاص يحدّد مهامها ويضبط حدود مرجع نظرها واختصاصاتها بعد إلغاء القانون المنشأ لها (إن وجد) الأمر الذي يجعل منها لا مؤسسة خارج نطاق القانون فقط بل مؤسسة فاقدة للصفة التي تخوّل لها إجراء أي عمل مهما كان.

2.1- إدارة أمن الدولة وفقدان صفة الضابطة العدلية

 

يذكر رجال القانون أنّ المشرّع التونسي ضبط صلب الفصل10(38) من مجلـة الإجراءات الجزائيـة المأمورين الذين لهم حق مباشرة وظائف الضابطة العدلية كما ضبط الفصل 16 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية(39) من له ممارسة وظائف الضابطة العدلية العسكرية وقد جاء تحديده الأعوان المذكورين على سبيل العدّ والحصر والتدقيق بما لا يقبل الجدل أو التأويل ويكفي مجرد مراجعة بسيطة للفصلين 10 و 16 المشار إليهما ليتّضح جليّا أن المشرع لم ينص على أعوان إدارة أمن الدولة كمباشرين لوظائف الضابطة العدلية أو الضابطة العدلية العسكرية وذلك طبيعي جدا لأنّ الوجود القانوني لهذه الإدارة نتاج نصّ خاص أو ظرف خاص لا علاقة له بمجلة الإجراءات الجزائية والمرافعات والعقوبات العسكرية وقد أوجب المشرع التونسي حماية لمصلحة المتهمين الشرعية من كل تجاوز صلب الفصلين 154 و 155 من مجلة الإجراءات الجزائية أن المحاضر والتقارير التي يحررها مأمورو الضابطة العدلية والموظفون والأعوان لا تكون معتمدة إلا إذا ضمن بها محررها ما سمعه أو شاهده أثناء مباشرته لوظيفة في مادة اختصاصه ممّا يستخلص منه أن من شروط صحة المحاضر والتقارير إنجازها من طرف من خول له المشرع ذلك بحكم القانون وافتقاد محررها لصفة إجرائها، يفقدها كل قيمة وبجعلها باطلة لا يُعمل بها وإذا اتضح لنا أنّ إدارة أمن الدولة فاقدة للوجود القانوني منذ صدور القانون عدد 79 لسنة 1987 و حتى قبله حسب البعض كما أنّ المشرّع التونسي لم يخول لها مباشرة وظائف الضابطة العدلية أو الضابطة العدلية العسكرية طبق أحكام الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية والفصل 16 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية تكون كل أعمال البحث والتفتيش والحجز التي أنجزها ضباط وأعوان الإدارة المذكورة باطلة لأنّها لم تكن في مادة اختصاصهم ولأنهم يفتقدون للصّفة القانونية التي تخول لهم القيام بها.


 

(38)  الفصل 10 من مجلة المرافعات و الإجراءات الجزائيّة :

- يباشر وظائف الضابطة العدلية تحت إشراف الوكيل العام للجمهوريّة و المدّعين العموميين لدى محاكم الإستئناف كلّ في حدود منطقته من سيأتي ذكرهم :

1)      وكلاء الجمهوريّة و مساعدوهم،

2)      حكّام النواحي،

3)      محافظوا الشرطو و ضبّاطها و رؤساء مراكزها،

4)      ضبّاط الحرس الوطني و ضبّاط صفّه و رؤساء مراكزه،

5)      مشائخ التراب،

6)      أعوان الإدارات الذين منحوا بمقتضى قوانين خاصّة السلطة اللازمة للبحث عن بعض الجرائم أو تحرير التقارير فيها،

7)      حكّام التحقيق في الأحوال المبنيّة بهذا القانون (9)

(39)  الفصل 16 من مجلة المرافعات و العقوبات العسكريّة :

- يمارس وظائف الضابطة العدليّة العسكريّة

1)      المدّعي العام و معاونوه و قضاة التحقيق،

2)      الضبّاط الذيم يعيّنهم لهذه الغاية رئيس أركان الجيش العامة أو من يقوم مقامه أو قائد الدرك العام       و ضبّاط و ضبّاط صف شرطة الجيش و الدرك،

3)      آمروا المناطق و الوحدات و المغاور و المخافر كلّ في دائرة اختصاصه بالنسبة لمرؤوسيه و الجرائم العسكريّة المرتكبة ضمن منطقته.  

Enter supporting content here