الفصل الثاني : إدراة تمارس
أعمالها خارج نطاق القانون
1.2-
الإيقاف خارج إطار القضاء
تكشف
الأبحاث المجراة في القضية
أن كل ما قام به الباحث
الابتدائي من إيقافات
وأبحاث
ومداهمات وعمليات حجز
كانت خارج إطار القضاء
والقانون إذ يعلم كل عارف
بأحكام
القانون التونسي أن الفصل
11 من مجلة الإجراءات الجزائية
التونسية يمنع أعوان
الضابطة العدلية من القيام
بأي عمل من أعمال التحقيق
ما لم يكونوا مأذونين
في ذلك
بإذن كتابي من السلطة
القضائية المختصة ولم
يستثن من تلك إلا حالات
التلبّس وحتى في
هذه الحالة فقد أوجب عليهم
إعلام النيابة العمومية
بكل ما يقومون به وهو ما
لم يتم
في قضية الحال في الآجال
القانونية كما اقتضى
الفصل 9 من نفس المجلة"
أنّ
الضابطة العدلية مكلفة
بمعاينة الجرائم وجمع
أدلّتها ما لم يصدر قرار
في افتتاح بحث"
أمّا إذا صدر القرار المذكور
فإن المهام المذكورة
توكل للسلطة القضائية
وحدها دون
غيرها وطبق الفصل 16 من نفس
المجلّة فإنّه على كل
مأموري الضابطة العدلية
التخلي عن
القضية بمجرد ما يتولى
الأعمال فيها وكيل الجمهورية
أو مساعده أو حاكم التحقيق
ولكن
عكس ذلك هو الذي حصل في
قضية الحال إذ باشر الباحث
الابتدائي ( الذي لا يتوفر
على
صفة الضابطة العدليّة
و لا العسكريّة) الأبحاث
والإستنطاقات دون إذن
قضائي بل واصل
مباشرة أعماله حتى بعد
صدور قرار إفتتاح الأبحاث
في القضيّة عدد 2815 يوم
24/12/1990 و في القضيّة عدد 3391 يوم
24/04/1991 و كان يتعمد إيقاف كل
من يريد
إيقافه واستنطاقه وإجراء
أعمال المداهمات والتفتيش
دون إذن مسبق حتى بعد تعهد
قاضي
التحقيق بالقضية وهو
ما يؤكد بشكل جلي أنّ إدارة
الأبحاث و الإيقاف و الحجز
كانت خارج إطار القضاء
و مقتضيات القانون و يكفي
الرجوع إلى محضري إيقاف
كل من
علي لعريض و زياد الدولاتلي
على سبيل المثال للتأكّد
من خطورة ما حصل إذ أوقف
المذكوران يوم 23/12/1990
و ادّعى باحثهما أنّهما
أوقفا عملا بإنابة عدليّة
صادرة عن قاضي التحقيق
بالمحكمة
العسكريّة و الحال أنّ
الإنابة المذكورة لم
تصدر إلا يوم 24/12/1990 وهو ما يدلّ
أنّ إيقافهما و غيرهما
كان خارج نطاق القضاء
و دون إذنه و أنّ قرار الإيقاف
سابق
لإنابة القضاء وهو قرار
إتخذته إدارة أمن الدولة
و حاول قاضي التحقيق إضفاء
نوع من
الشرعيّة عليه بإعطاء
إنابة لاحقة
علما و أنّه لم يتمّ استنطاق
علي لعريّض إلا يوم
25/12/1990 في حين تمّ
استنطاق زياد الدولاتلي
يوم 27/12/1990 وهو ما أكّده تقرير
مفصّل صدر عن
منظّمة العفو الدوليّة
سنة 1992
.
2.2- مراكز
إيقاف سرية وأعوان مقنّعون
يذكر
بعض المفرج عليهم أن"
باحثهم تعمّد نقلهم من
مراكز الإيقاف المعلومة
(مثل مقرّات
وزارة الداخلية) أو من
السجون إلى مراكز إيقاف
وتعذيب سريّة لا يعلمون
شيئا عن
مكانها ولا لأيّ إدارة
تخضع إذ كانوا ينقلون
من مواقع إيقافهم الأصلية
على متن
سيارات مغمضي الأعين
ومقيدي الأيدي إلى أماكن
مجهولة أين تقع عمليات
التعذيب
و
الإستنطاق
من
طرف أعوان يضعون أقنعة
سوداء على وجوههم ولا
تظهر منهم إلاّ الأعين
حتى لا يتمكن من
التعرّف عليهم وقد دامت
رحلة البعض مع هذه الوضعية
الخطيرة أكثر من ثلاثة
أشهر
كاملة وفرض عليهم قضائها
في ظروف مهينة فلا هم يعرفون
أين يوجدون ولا على ذمّة
من،
كما أنهم لا يعلمون ما
إذا كان الأمر يتمثل في
استنطاق ينتهي بالإحالة
على القضاء
أم بالإغتيال و القتل
كما أنّ العائلات و المحامين
لم يكونوا يعلمون شيئا
عن أماكن
اعتقالهم و ما إذا كانوا
موتى أو أحياء ويذكر بعض
ممّن تسلّط عليهم مثل
هذا الإجراء
أنّ المرور بمراكز التعذيب
السرية كان تجربة قاسية
ومؤلمة جدا إذ علاوة على
التعذيب
المتعدد الصيغ والأشكال
والوسائل لم يكن الضحايا
المعزولون عن بعضهم البعض
يجهلون
مكان إيقافهم فقط بل كانوا
عاجزين عن تحديد حتى القبلة
و مع من يتعاملون و لم
يكونوا يسمعون إلا صياح
المعذبين و أنينهم و نباح
الكلاب و أصوات الرصاص
و يتردّد
الحديث في أوساط الموقوفين
و منظمات الدفاع عن حقوق
الإنسان حول مركز الإعتقال
السرّي بمرناق وهو حسب
البعض محل سكنى قديم به
دهليز عميق في ضيعة من
بقايا
أملاك المعمّرين الفرنسيّين
لا يقدر أحد على الإقتراب
منها أو الوصول إليها
لصعوبة
المنطقة المحيطة بها
و لشدّة الحراسة الخاصّة
التي تحميها من مسافات
بعيدة.