5551.jpg

introduction

تـــوطـــئـة

 

جاء في المادّة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي : 

 

"يولد كل الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء".

 

    بانقضاء شهر أكتوبر من سنة 2004 يكون قد مرّ على صدور الأحكام في القضايا التي نظرت فيها المحكمة العسكرية الدائمة بتونس إثني عشر سنة كاملة(1). ففي فجر يوم 28 أوت 1992 إنتصبت هيئة المحكمة المذكورة بثكنة بوشوشة في ضاحية باردو برئاسة القاضي بشير كدوس وعضوية العقيد إبراهيم بودبوس والمقدم المنجي العيادي والمقدم عبدالرزاق بوعتور والرائد ميلود شتايتية وبمحضر ممثل النيابة العسكرية العميد محمد قزقز وبمساعدة كاتب الجلسة الوكيل مسعود علي انتصبت لتصدر أحكامها في القضية المرسّمة تحت عدد 76110 والمحال فيها مائة وواحد وسبعون تونسيا بعد أبحاث انطلقت منذ أفريل 1991 وجلسات متواترة افتتحت صبيحة يوم 9 جويلية 1992 وبموازاة ذلك انتصبت بثكنة باب سعدون بجهة راس الطابية نفس المحكمة بتركيبة ثانية برئاسة القاضي محمد الحبيب بن يوسف وعضوية المقدم محمد شاكر الراشدي والرائد عبدالعزيز العيادي والنقيب منصف الدين الجازي والنقيب آمال الجويني وبمحضر ممثل النيابة العسكرية العقيد محمد بن عبدالله وبمساعدة كاتب الجلسة العريف أول نورالدين الفرجاني لتبت في القضية المرسمة تحت عدد 76111 المحال فيها مائة وثمانية نفر بعد أبحاث انطلقت منذ نوفمبر 1990 وجلسات ماراطونية بداية من يوم 10 جويلية 1992 حتى تاريخ صدور الأحكام يوم 30 أوت 1992 وذلك من أجل اتهام الجميع بارتكاب جرائم الإعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة و حمل السكّان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح و جمع و ترأس جموعا بقصد التخريب و ممانعة القوة العامة و إعادة تكوين جمعيّة غير مرخّص فيها و التحريض بالخطب و المنشورات على ارتكاب جرائم... كاتهام البعض بحمل و مسك مستودع أسلحة بدون رخصة و محاولة الإعتداء على حياة رئيس الدولة و تحريض العسكريّين على الإنتماء إلى جمعيّة ذات هدف سياسي و جمع التبرّعات بدون رخصة و افتعال وثائق إداريّة ... إلخ علما وأنّ الأبحاث الأولية المجراة بمناسبة هذه القضايا شملت ثماني مائة وثلاثة وخمسون مظنونا فيهم(2) من مختلف جهات ومناطق البلاد(3) ومن قطاعات متعددة(4) ومن ذوي المستويات العلمية والثقافية المتنوعة(5) وقد تراوحت الأحكام بين المؤبد وعدم سماع الدعوى(6) ليسدل الستار على صفحة من صفحات تاريخ تونس الحديث الذي جدد العهد خلال صائفة 1992 مع المحاكمات الكبرى.

 

(1)  لم تبت المحكمة العسكريّة صائفة 1992 في القضيّتين عدد 76110 و 76111 فقط بل نظرت دوائرها الجناحيّة في عدد آخر من القضايا أحيلت عليها بموجب قرارات تفكيك و تخلي.

(2)  أنظر الملحق ص ص1- 3 (أنظر القائمة كاملة للمتّهمين في الصفحات السابقة)

(3)  أنظر الملحق ص 4

(4)  أنظر الملحق ص 6

(5)  أنظر الملحق ص ص 8-9

(6)  أنظر الملحق ص 14

 

 

محاكمات صائفة1992: نهاية مرحلة و بداية أخرى

 

أسدل الستار صائفة سنة 1992 على محاكمة شهد كل من تابع أطوارها بأنها كانت تاريخية (والعبارة للأستاذ البشير المنوبي الفرشيشي المحامي والأستاذ الجامعي) الذي أكد في مفتتح مرافعته في القضية عدد 76110 أن هذه القضية " تاريخية وهي عبارة عن دروس في العلوم السياسية وفي فنون الأسلحة وفي علوم الإجرام وخاصة في قانون الإجراءات  الجزائية" كما شهد الجميع أنها كانت محاكمة استثنائية (والعبارة للأستاذ العميد محمد شقرون) ولقد كانت المحاكمة فعلا بفصولها المتعددة ومراحلها المختلفة بداية من الأبحاث بمقرّات إدارات أمن الدولة المعلومة منها و السريّة نهاية بصدور الأحكام بثكنتي بوشوشة وباب سعدون كانت فعلا وبكل المقاييس حسب الملاحظين ورجال القانون تاريخيّة لا لأنّها كانت محاكمة القرن بشمولها لأكبر عدد من المتّهمين عرفته محاكمة سياسيّة في تونس و لا لأنّها كانت أطول محاكمة لامتداد الأبحاث والإجراءات فيها على مدى ما يناهز السنتين فقط بل لأنها كانت الفاصل بين مرحلتين من تاريخ البلاد علاوة على أهميّة وعمق الجدل الذي شهدته بين المتّهمين ولسان الدفاع من جهة وهيئة المحكمة من جهة أخرى في القانون والسياسة والثقافة وفي خلفيّات المحاكمة وأسبابها الخفيّة والظاهرة فكان جدلا تأكد من خلاله أنّ المحاكمة لم تكن إلا تتويجا لمسار تدهور الأوضاع بالبلاد و تنامي نزوع السّلطة نحو مزيد إحكام قبضتها على الأحزاب و المنظّمات و الجمعيّات و إسكات كلّ الأصوات المعارضة.

و مثلما اتفق العديد من الملاحظين أن محاكمات صائفة 1992 كانت نتيجة قرار سياسي اتّخذه نظام الحكم على ضوء معطيات داخليّة و خارجيّة، أجمع المتابعون للحياة السياسيّة في تونس على حصول تدهور خطير في أوضاع الحريّات مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات التشريعيّة لسنة 1989 و التي كانت محلّ إعتراض كلّ القوى المعارضة إذ اتّهم بعضها السلطة بالتزوير و تزييف النتائج و قد إزدادت الأوضاع توتّرا برفض السلطة الإعتراف بحركة النهضة و العديد من الحركات الأخرى و تمكينها من تأشيرة العمل القانوني وهو ما أثار ردود أفعال واسعة في أوساط النخبة على وجه الخصوص و قد لخّص السيّد عمر صحابو في افتتاحية جريدة المغرب يوم 28 أفريل 1989 ذلك بقوله "نعم للتأشيرة لحزب النهضة أم لا ؟" هذه هي الإشكالية السياسية التي تلخص ضمنها القضية المطروحة والتي تستدعي حلا في أقرب الآجال .. ما الحلّ؟  الحلّ بين خيارين : " الإعتراف بحركة النهضة وإدماجها في الصراع المؤسساتي أو العودة إلى 6 نوفمبر(7) " وبعد أن عبّر عدد من رجال السياسة والقانون والفكر علنا عن موقفهم من مسألة إعطاء تأشيرة العمل السياسي للنهضة وغيرها من الحركات السياسية التي تطلبها(8) صرّح السيد محمد مواعدة الأمين العام لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين آنذاك " أنّ حركته أكدت باستمرار أن حلّ هذه القضية (قضية العلاقة بين السلطة والإسلاميين) لا يمكن إلاّ أن يكون حلا سياسيا وأنّ دفع المسار الديمقراطي هو الكفيل بتحديد معالم الخارطة السياسية" في حين كتب السيد الهاشمي الطرودي متحدثا عن التمشي الذي اعتمدته السلطة لمعالجة الأوضاع بعد "نكسة" الإنتخابات التشريعية سنة 1989 " لقد كانت نتيجة هذا التمشي باختزال الركود السياسي والمراوحة في نفس المكان : حزب حاكم مهيمن على مقدرات الحياة السياسية ومنفرد بالمؤسسات التمثيلية ومعارضات مهمّشة ومقصاة من مجالات الفعل السياسي. إن هذا الوضع أدى إلى ما يشبه القطيعة فقد اصطفت كل أحزاب المعارضة القانونية وغير القانونية لتعري هذه الحقائق ولتعلن أن الوضع السياسي آل إلى المأزق...(9)". و قد انعكس الخلاف السياسي على الموقف من العديد من القضايا المطروحة قانونيا و ثقافيّا و اقتصاديّا محليّا و عربيّا و دوليّا حتّى كتب الأستاذ أبو يعرب المرزوقي أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسيّة ملخصا لما شهدته البلاد من توتر في التعامل مع مشروع إصلاح التعليم كأحد أهمّ مظاهر الخلاف الذي يشقّ المجتمع و النخبة قائلا : " إذا كان طرفا النزاع في المسألة المدرسية متفقين على تقديم الدور الإيديولوجي العلمي للمدرسة على دورها التكنولوجي النظري فلا غرابة أن يحصل بينهما الصدام الذي يحصل بينهما الآن... التعدد والتناقض سر الحياة الحيوية وسر الحياة الفكرية... أما الدعوة إلى الوحدانية الوضعية باسم العقل والتاريخ النافيين لما عداهما أو باسم الوحي والروح النافيين لما عداهما فهما موقفان مجردان يستعملان العنف ليجعلا الواقع موافقا لهم..." (10).

ويذكر المتابعون للشأن العام في تونس أن الغموض لم يدم كثيرا إذ سرعان ما باحت الساحة بأسرارها فشهدت البلاد العديد من الأحداث المتفرقة زادتها حدة حرب الخليج الثانية وتطورات الوضع في الجزائر واحتدام الجدل حول خلفيات وأهداف مشروع إصلاح التعليم وما تبعه من ردود فعل اعتبرت متشنجة على تصريحات لوزير التربية آنذاك قدر البعض أنها كانت خطيرة واستفزازية حتى صرح الأستاذ أحمد نجيب الشابي الأمين العام للتجمّع الإشتراكي سابقا و الحزب الديمقراطي التقدّمي حاليّا لجريدة المغرب قائلا : "يركز السيد الشرفي على ضرورة مصالحة الطفل مع عصره وأعتقد أن هدف الإصلاح يجب أن يكون مزدوجا يعمل على مصالحة الطفل مع عصره وهويته في ذات الآن وأعتقد أن الجانب الثاني مهضوم من منطلقات إيديولوجية وسياسية... وحوصلة القول أنه لا يمكن معالجة هذه القضايا لا بالإرتجال ولا بالتشنج" و انعكس ذلك الخلاف و طريقة أطرافه في التعاطي معه على أوضاع الحريّات التي عرفت تدهورا خطيرا ملفتا للنظر فتعدّدت الإيقافات و المحاكمات بتهم مختلفة من مثل مخالفة قانون المساجد(11) و المشاركة في مظاهرة عدائيّة لم تشتّت إلا باستعمال القوّة و الإحتفاظ بجمعيّة غير مرخّص فيها. 

ففي يوم 24 أفريل 1990 أوقف الدكتور المنصف بن سالم(12) بتهمة الثلب و نشر أخبار زائفة من شأنها تعكير صفو النظام العام و ذلك بدعوى أنّ بعض المسافرين القادمين من الجزائر تجمّعوا في بهو مطار تونس قرطاج الدولي لمطالعة إحدى الجرائد الصادرة في الجزائر و التي احتوت في صفحتها 11 على تصريح صحفي للأستاذ بن سالم اختارت له الصحيفة عنوان " الإتجاه الإسلامي في تونس : من علمانيّة بورقيبة إلى إرهاب بن علي" و بتاريخ 24 ماي 1990 قضت الدائرة الجناحيّة بالمحكمة الإبتدائيّة بتونس بمناسبة القضيّة عدد 690/16293 بسجنه مدّة ثلاثة أعوام كاملة...؟ و في يوم 28/09/1990 أوقف السيد صالح بن عبد الله القيادي في حركة النهضة و عضو هيئة تحرير جريدة الفجر بتهمة المشاركة في مظاهرة عدائيّة. و في يوم 26/10/1990 أوقف كلّ من علي لعريض و عبد الكريم بعلوش و لطفي العمدوني و الصادق الجلاصي و الحبيب الفني و علي الصّمدي و علي الغضبان  و نبيل النوري بتهمة عقد إجتماع غير مرخّص فيه على إثر إلتقائهم بمنزل علي الغضبان بجهة الكبّاريّة بضواحي العاصمة و قد أحيل ملف القصيّة على محكمة ناحية تونس خلال شهر جويلية 1991 تحت عدد 891/70362 و بجلسة يوم 17/12/1992 قضت المحكمة المذكورة بالإدانة و السجن. و في يوم 30/10/1990 و إثر مشاركته في تأبين المرحوم الطيّب الخماسي(13) أوقف السيّد محمّد بن عيّاد العكروت و أحيل على المحكمة الإبتدائيّة بتونس التي قضت يوم 26/12/1990 بمناسبة القضيّة عدد 202/39001 بسجنه من أجل ذلك. كما قضت المحكمة الإبتدائيّة ببن عروس يوم 1/11/1990 بسجن السيّد عبد الكريم هاروني الأمين العام السابق للإتحاد العام التونسي للطلبة مدّة ستّة أشهر بتهمة توزيع مناشير.

و قد تمّ خلال شهر جانفي 1991 إيقاف جريدة "الفجر" عن الصّدور و إحالة مديرها السيد حمادي الجبالي و الأستاذ محمّد النوري المحامي على القضاء العسكري بتهمة ثلب هيئات قضائيّة إثر نشر الجريدة لدراسة قانونيّة بقلم الأستاذ النوري حول المحمكة العسكريّة دعا فيها لحصر نظر المحكمة المذكورة في ما يرتكبه العسكريّون أثناء مباشرة عملهم و قد حكمت بسجن كلّ من السيّدين حمادي الجبالي و محمد النوري و إغلاق مقر جريدة الفجر و مصادرة محتوياته(14) و في يوم 28/01/1991 تمّ إيقاف السيّد الفاضل البلدي رئيس مجلس شورى حركة النهضة الذي أحيل بحالة إيقاف على الدائرة الجناحيّة بالمحكمة الإبتدائيّة بتونس بتهمة ثلب النظام العام و نشر أخبار زائفة من شأنها تعكير صفو النظام العام إثر إمضائه بيان حول حرب الخليج الثانية و بتاريخ 16/02/1991 قضت المحكمة في القضية عدد 591/6166 بسجنه من أجل ذلك مع إسعافه بتأجيل تنفيذ العقاب البدني(15).  

في مثل هذه الظروف التي احتدّ فيها الخلاف و أخذ أبعادا متعدّدة مسّت كلّ المجالات   و الفضاءات و تصاعدت التحركات في الشارع مساندة للعراق مما أدى إلى إيقاف العشرات من المشاركين فيها وإحالتهم على المحاكم و بعد أن أعلن في يوم 23/12/1990 عن إيقاف كل من علي العريض وزياد الدولاتلي وعدد من العناصر القيادية في حركة النهضة على خلفية العلاقة بما سمّي بقضيّة "الحبيب الأسود" اتخذت السلطة من حادثة تعرّض لجنة تنسيق التجمع الدستوري الديمقراطي بباب سويقة إلى اعتداء بالحرق ذريعة لشنّ حملة إعلاميّة و سياسيّة     و أمنيّة ضدّ حركة النهضة في محاولة لعزلها سياسيّا و إظهارها كحركة تعتمد العنف و الإرهاب بما يبرّر اعتقال عناصرها و قمع تحرّكاتها و أنشطتها و قد أوقف بداية 17/02/1991 عدد كبير نذكر منهم السادة : علي الأصبعي، محمد التومي بن نجمة، محمد صدقي العبيدي، محمد بن سالم، نور الدين البحيري، الفاضل البلدي، محمد الهادي الزمزمي، الصادق شورو، محمد نجيب بن يوسف و المرحوم سحنون الجوهري و غيرهم... و بعد إطلاق سراح البعض منهم إثر فترة إيقاف تجاوزت المدّة القانونيّة بكثير أحيل البعض الآخر على قاضي التحقيق بالمحكمة الإبتدائيّة بتونس في الملف عدد 62950 بتهمة تكوين عصابة قصد الإعتداء على الأشخاص و الممتلكات و الإحتفاظ بجمعيّة غير مرخص فيها طبق أحكام الفصلين 131 و 132 من المجلة الجنائية و أحكام القانون عدد 154 لينة 1959 المتعلق بالجمعيات.



(7)  انظر الملاحق ص 17 و 18(عمر صحابو و أنس الشابي، المغرب العربي، عدد 149  في 28/4/1989)

(8)   أنظر الملحق ص ص 19-22 (مقالات المغرب العربي)

(9)  انظر الملحق ص 23 (الهاشمي الطرودي،المغرب العربي، عدد 191، 2/3/1990)

(10)  انظر الملحق ص 24(أبو يعرب المرزوقي، المغرب العربي، عدد 181، 15/12/1989)

(11)  نذكر على على سبيل المثال حالة السادة خميس الماجري و المرحوم مبروك الزرن و محمّد الهادي الزمزمي الذي تمّت محاكمتهم طبق أحكام القانون المذكور.

(12)  الدكتور منصف بن سالم أستاذ محاضر في الرياضيات من مواليد سنة 1953 ببئر صالح من ولاية صفاقس، حاصل على ديبلوم مهندس أوّل في الصناعات الأليّة بباريس و دكتوراه في الفيزياء النظريّة 1976 و دكتوراه في الرياضيات بباريس 1980. شغل قبل إعتقاله المناصب التالية بتونس: مدير قسم الرياضيات  و مؤسّسه بجامعة صفاقس، عضو بالمجلس العلمي بنفس الجامعة، مشرف على البرمجة بجميع الفصول الجامعيّة، مؤسّس و رئيس نقابة التعليم العالي بصفاقس، عضو في لجنة الإنتداب بالوزارة . خارج تونس : مقرّر بمركزيّة الرياضيات ببرلين ألمانيا، مقرّر بمركزيّة الرياضيات بمتشيغان الولايات المتحدّة الأمريكيّة، عضو بالمركز الدولي للفيزياء النظريّة بإيطاليا التابعة لليونيسكو، مرسّم بإتحاد الجامعات الناطقة كليّا أو جزئيّا بالفرنسيّة في كيباك كندا.   

(13)  المرحوم الطيب الخماسي : تلميذ من سكان حي ابن خلدون توفي بسبب إستهدافه لرصاص أحد أعوان فرق حفظ النظام العام بجهة الرمانة الذي إدّعى أنّ المرحوم الخماسي الذي كان بصدد توزيع مناشير على المصلين أمام أحد المساجد رفض الإمتثال لأمر بالوقوف و حاول الفرار فاضطرّ لإطلاق الرصاص عليه لمنعه من الهروب علما و أنّ حملة الإيقافات و الإحالة على القضاء و مصادرة النشريّات شملت الكثيرين من غير الإسلاميّين مثلما حصل للأستاذ محمد رضا الأجهوري الأستاذ الجامعي و المحامي( انظر الملحق ص ص 162-164) الذي تمّت خلال شهر ماي 1990 مصادرة كتابه "الجريمة التشكيليّة و اختلاس أموال الشعب في دولة القانون" كما تمّت إحالته يوم 14 ماي 1990 على قاضي التحقيق بالمحكمة الإبتدائيّة بتونس في القضيّة عدد 590/29994 بتهمة ثلب و شتم هيئات رسميّة و إدارات عموميّة و ذلك على إثر شكاية تقدّم بها أعضاء المجلس العلمي المضيّق لكليّة العلوم القانونيّة و السياسيّة و الإجتماعيّة بتونس و المكلف العام بنزاعات الدولة في حقّ وزارة التربية     و التعليم العالي و البحث العلمي.  انظر الملحق ص 25 (الفجر، العدد العاشر، 22/09/1990).

(14)  انظر الملحق ص 26 (الفجر، العدد التاسع عشر، 24/11/1990).

(15)  يذكر المتابعون للشأن العام في تونس تواتر إلتجاء السلطة الحاكمة لقانون الصحافة و نصوصه الزجريّة لتبرير قمع المعارضين و تكميم الأفواه و مصادرة النشريّات و الجرائد و قد اتسمت الأحكام الصادرة بالشدّة المبالغ فيها (3 سنوات ضدّ المنصف بن سالم و عام سجنا ضدّ حمادي الجبالي و 6 أشهر ضد محمد النوري  و محمد العكروت...) الملحق ص 26.

كما اتسمت هذه المرحلة من تاريخ البلاد ببعث لجان صلب وزارتي الثقافة و التربية مهمّتها مراجعة المنشورات و الكتب بما في ذلك التي سبق الترخيص بنشرها و ترويجها و تفحّصها و قد آلت أعمالها إلى مصادرة العديد من النشريّات و الكتب و سحبها من المكتبات و الأسواق و قد اشتهرت هذه اللجان بلجان محاكم التفتيش بقيادة أنس الشابي و حمادي بن جاب الله و قد تزامن كل ذلك مع اشتداد حملات السبّ و التجريح التي شنّتها السلطة ضدّ معارضيها بواسطة بعض الصحف و الأسماء التي تختصّت في مثل تلك الحالات (مثل جريدة الإعلان و عبد العزيز الجريدي و أنس الشابي و المنصف قوجة و الحبيب بن محرز و سفيان بن فرحات و زهير الذوادي        و محمد محفوظ و المنصف عاشور...) و قد استقطبت قضيّة الكاسيت التي نسبتها جريدة الإعلان للأستاذ عبد الفتاح مورو أنظار الرأي العام و الطبقة السياسيّة خاصّة بعد أن انتقل الجدل حولها إلى ساحات المحكمة التي أذنت في جلسة حضرها العشرات من المحامين بحجز الكاسيت و تنظيم جلسة استماع بمكتب رئيس الدائرة بحضور ممثلين عن كلّ أطراف القضيّة و نهاية تلك المحاولة لتسميم الأجواء و توتيرها و موقف المنظمات  و الأحزاب الوطنيّة منها معلومة للجميع و لا يحتاج أحد لتفصيلها...    

حملة القمع تنطلق بمجزرة في المركب الجامعي

 

 

وبعد أن اعتبر البعض في إفراد العناصر القيادية للحركة بتتبع مستقل عن التتبعات الجارية في قضية باب سويقة مؤشرا على ثبوت انعدام أية علاقة مباشرة لهم بالحادثة من ناحية وعلى اتجاه الأحداث نحو حد أدنى من التهدئة ومحاصرة كل دفع نحو اتساع رقعة الإيقافات والتعامل مع كل حادثة وملف على حدة... يذكر البعض الآخر أن إقالة المرحوم عبد الحميد بالشيخ من منصبه على رأس وزارة الداخلية أجهض التمشي المذكور ليدفع نحو حملة أمنية أشمل انطلقت بإتخاذ عبدالله القلال (الذي لم يمض على تعيينه وزيرا للداخلية إلا فترة قصيرة) بتنسيق مع وزير التربية و التعليم آنذاك يوم 29/03/1991 لقرار بتعليق نشاط المنظمة الطلابية "الاتحاد العام التونسي للطلبة" و غلق محلاتها(16) بدعوى أنّها حادت عن الأهداف المرسومة لها و خرقت بنشاطها أحكام قانون الجمعيّات و نظرا لأنّ المشرّع اقتضى أنّ قرار تعليق النشاط من طرف وزير الداخليّة لا يمكن أن يتجاوز خمسة عشر يوما إلتجأت وزارة الداخليّة لاستصدار إذن على عريضة من المحكمة الإبتدائيّة بتونس في ما سمّته "التمديد في قرار تعليق النشاط"(17) و قد استجاب القضاء طبعا لذلك الطلب أو الأمر بموجب الإذن عدد 47251 بتاريخ 10/4/1991 و الذي تمّ إعلام الإتحاد به يوم 12/04/1991 بواسطة عدل التنفيذ الأستاذ محمد عادل كريشان(18) بالمقرّ الكائن بنهج أصفهان عدد 7 باردو و الحال أنّ الإتحاد إختار قبل ذلك التاريخ مقرّا جديدا كائنا بعدد 32 نهج شارل ديقول تونس و قد تمّ إعلام وزارة الداخليّة طبق القانون بالمقرّ الجديد و من غريب الصدف أنّ مقرّ الإتحاد كائن في نفس العمارة التي يباشر فيها عدل التنفيذ الذي وجه محضر الإعلام عمله علما و أنّ عدل التنفيذ المذكور لم يتوجّه بعد الإعلام لتنفيذ قرار تعليق النشاط و غلق المحلات صحبة أعوان البوليس للمقرّ الكائن بباردو بل توجّه للمقرّ الكائن بـ32 نهج شارل ديقول وهو ما يكشف عن رغبة مسبقة في التفويت على الإتحاد فرصة الطعن في القرار و الدفاع عن مصالحه.

 

و بتاريخ 26/04/1991 و بمناسبة القضيّة الإستعجاليّة (من ساعة إلى أخرى) المنشورة بالمحكمة الإبتدائيّة بتونس تحت عدد 89916 اتخذ القاضي محمد جمال مطيمط قرارا قضى "استعجاليّا بتعليق نشاط الجمعيّة المطلوبة و غلق المحلات التابعة لها إلى أن يقع البتّ في القضيّة الأصليّة عدد 75816...(19)" و قد صدر القرار الإستعجالي المذكور في غياب "الإتحاد" الذي تعمّدت وزارة الداخليّة و عدل التنفيذ المكلف بالتبليغ استدعاءه في غير مقرّه حسبما يفيد ذلك محضر الإستدعاء المضمّن بمكتب عدل التنفيذ المشار إليه تحت عدد 4738(20).

 

و يذكر المحامون ما حصل في الدائرة المدنيّة الثانية بالمحكمة الإبتدائيّة بتونس برئاسة فائزة الزرقاطي(21) إذ حضر عدد من المحامين يوم 4/07/1991 و أعلنوا نيابتهم عن الإتحاد في القضيّة عدد 75816 وطلبوا التأجيل للإطلاع و الجواب على الدعوى فقرّرت المحكمة تأخير النظر في القضيّة ليوم 8/07/1991 وهو أجل يدلّ على قرار مسبّق بسرعة فصل الدعوى و بتاريخ الجلسة المذكورة قدّم العميد محمد شقرون(22) جوابه عن الدعوى و أعلن عدد آخر من المحامين نيابتهم و طلب ممثل المكلف العام بنزاعات الدولة التأخير للإطلاع و الردّ فما كان من رئيسة المحكمة (ودون صرف القضيّة للمرافعة طبق أحكام مجلة المرافعات المدنيّة      و التجاريّة) إلا أن حجزت القضيّة للمفاوضة إثر الجلسة لتصدر حكما بحل الإتحاد في وقت قياسي لم يتجاوز الأربعة أيام.

 

و إثر صدور القرار المذكور تعمّدت السلطة تصعيد الأوضاع في الجامعة بإقدامها على محاصرة أنشطة الإتحاد و تتبّع قياداته و كوادره و تكثيف وجود البوليس بالحرم الجامعي      و التضييق على التحرّكات و الأنشطة الطلابيّة و منع الإجتماعات العامّة و قد استغلّت السلطة تنظيم الطلبة لتجمّعات عامّة في المركّب الجامعي يوم 8/05/1991 احتجاجا على قرار تعليق نشاط الإتحاد و على حصار الكليّات لتدفع بالمئات من الأعوان المدجّجين بالأسلحة و الآليّات   و الكلاب المدرّبة لمهاجمة الكليّات و إطلاق الرصاص على الطلبة و في أماكن قاتلة في سابقة لم تعرف لها الجامعة التونسيّة مثيلا و قد تسبّب الهجوم المذكور في استشهاد طالبين أصيبا بالرصاص على مستوى الرأس و القلب و هما الشهيدان عدنان بن عبد الرزاق بن سعيد المولود في 19/05/1970 بفطناسة من ولاية قبلي و الذي كان تاريخ الواقعة يزاول تعليمه العالي بالسنة الأولى بكليّة العلوم بتونس و أحمد العمري من مواليد 23/01/1966 بقلعة سنان من ولاية الكاف و الذي كان يزاول تعليمه بالسنة الرابعة بالمدرسة القوميّة للمهندسين كما تسبّب الهجوم المذكور في إصابة العشرات بالرصاص إصابات متعدّدة و في أماكن قاتلة مما استوجب نقلهم لأقرب المستشفيات مثلما هو الحال بالنسبة للطالب بوبكر القلالي (من مواليد 1968)     و مراد البدوي (من مواليد 1970) و سالم المهيري ( من مواليد 1968) الذين احتفظ بهم في قسمي الإنعاش بمستشفى شارل نيكول و المعهد القومي لجراحة الأعصاب لإصابتهم بالرصاص في الرأس و العين و قفص الصدر(23)... و غيرهم كثر كما تسبّب الهجوم المذكور في إيقاف المئات من الطلبة و حرمانهم من حقّهم في الدراسة و إجراء الإمتحانات علما و أنّ السلطة التونسيّة حاولت لتبرير الهجوم المذكور بادّعاء أنّه كان ردّا على هجوم مسلّح استهدف مراكز الأمن الجامعي.

 

و الغريب أنّ محاضر الحجز المحرّرة من طرف أعوان الأمن(24) كشفت حقيقة الموقف إذ انحصر ما ادّعى أعوان الضابطة العدليّة حجزه في عدد من قضبان الحديد و قطعة من الخشب و سطل قديم مملوء بالحجارة و عدد 3 بلوزة بيضاء و جمازتان و مريولان و جيب للنساء و فولارة و زنار فلسطيني و محفظات مدرسيّة و 3 قوارير بها بقايا مواد حارقة      و فتيل زجاجة مولوتوف و لكلّ عاقل أن يقدّر خطورة ما يمكن أن يرتكبه الطلبة بمثل ذلك المحجوز ضدّ المئات من أعوان البوليس المدجّجين بالأسلحة و العتاد و الكلاب المدرّبة كما أنّه لكلّ عاقل أن يستنتج ما يجب إستنتاجه من نوعيّة المحجوز (محفظات بها أدوات مدرسيّة... زنار فلسطيني... جمازات... بلائز بيضاء يرتديها الطلبة عند دخول المخابر... جيب للنساء... فولارة غطاء للرأس...) كما أنّه لكلّ عاقل أن يقدّر خطورة مثل هذه الأدوات و الأسلحة لو استعملت فعلا ضدّ السيارات المصفّحة و فرق حفظ النظام (Bop) و التدخّل السريع (Big)    و لكلّ عاقل أن يتساءل عن مصداقيّة ما روّجت له وسائل إعلام السلطة و رموزها و التي برّرت عمليّات القتل بالرّصاص الحيّ في ساحات الكليّات و مدارج العلم باتّهام الطلبة بشنّ هجوم مسلّح على مراكز الأمن الجامعي كما أنّه لكلّ عاقل أن يبحث في أيّ صنف من الأسلحة الفتّاكة يمكن إدراج محفظة الطالب و أدواته المدرسيّة و غطاء رأس الطالبة و الزنّار الفلسطيني...؟؟؟(25) 

   

و قد تزامن الهجوم على المركب الجامعي بمداهمة الكليّات و الأحياء و المطاعم الجامعيّة ليلا و نهارا من ذلك مداهمة المطاعم الجامعيّة بالمركّب الجامعي و بوشوشة و الرابطة يوم 6/06/1991 كمداهمة الحيّ الجامعي برأس الطابيّة و بميتوالفيل و 2 مارس بأريانة و ابن خلدون و بن عروس في ساعات متأخرة من ليلة يوم 8/06/1991 علما و أنّ بعض الكليّات   و المطاعم و المبيتات استهدفت للمداهمة مراّت عديدة رغم انطلاق إمتحانات نهاية السنة في العديد من المؤسّسات الجامعيّة و قد تسبّبت المداهمات المذكورة في إصابة و إيقاف عشرات الطلبة و إجبار المئات منهم على مغادرة الأحياء و المبيتات الجامعيّة كما تسبّبت في حرمانهم من حقّهم في اجتياز الإمتحانات و عوض تتبّع و محاكمة من أطلق الرصاص على الطلبة فتسبّب في قتل طالبين و جرح العشرات أحيل الطلبة الموقوفون - و عدد أكبر اعتبروا في حالة فرار - (الذين كان من بينهم مبروك بن سليمان و شكري الهاشمي و مباركة المشنتل و هادية الزاراطي و رضوان القنيشي و رفيق العايش و عبد القادر الجبالي و بوبكر القلالي و مراد البدوي (طلبة بكليّة العلوم بتونس) و نور الدين الحمدي و رياض بن يخلف و رشيد بن علي  و معز الزاوي و شافي التريكي و فيصل التبرسقي و عادل بن بوزيد و المنصف بوزيان      و سامي داود و ابراهيم بن عمر (طلبة بالمدرسة القوميّة للمهندسين) و شكري بدري (طالب بالمعهد الأعلى للشغل) و سالم المهيري (طالب بالمعهد التكنولوجي للفنون و الهندسة المعماريّة...) على قاضي التحقيق بالمحكمة الإبتدائيّة بتونس في القضيّة عدد 63038 بتهم التجمهر المسلح الذي لم يشتّت إلا باستعمال القوّة و التحريض على ذلك و الإضرار بملك الغير و القتل عمدا مع سابقيّة الإضمار و المشاركة في العصيان و الدعوة إليه... إلخ(26)

  

و قد فوجئ الرأي العامّ في ما بعد و تحديدا يوم 22/05/1991 بإعلان عبد الله القلال في ندوة صحفية عقدها للغرض إكتشاف مصالح الأمن لمخطط لقلب نظام الحكم بمشاركة عسكريين من مختلف القطاعات والرتب فعاشت البلاد حملة مداهمات وإيقافات بلغت أوجّها بما سجّلته العديد من المنظمات الإنسانية من اعتقالات طالت الآلاف من النساء والرّجال... كان من بينهم الشيخ الطاعن في السن... والتلميذ الذي لم يبلغ بعد الخمسة عشر ربيعا(27) والمعاق المقعد العاجز عن الحركة تماما وذلك في سابقة اتفق الكثيرون أنّها لم يشهد لها تاريخ البلاد التونسية مثيلا... ويذكر العديد ممّن شهدوا تلك المرحلة أنّ ما استعمل من إجراءات بحث وتحقيق استثنائية عبّد الطريق نحو تنظيم محاكمة إستثنائية كما يذكر العديد من مناضلي حقوق الإنسان والجمعيّات والمنظّمات المختصّة أنّ المئات من المحكوم ضدّهم في قضايا هذه الحملة ما زالوا بصدد قضاء العقوبة في ظروف لا إنسانية ومهينة(28).

 


 

(16)  انظر الملحق ص ص 27-29 (قرار وزير الداخليّة بخصوص إتحاد الطلبة)

(17)  انظر ملحق ص ص 30-31 (مطلب في إذن على عريضة)

(18)  انظر ملحق ص 32 (محضر إعلام)

(19)  انظر ملحق ص ص 33-35 (حكم إستعجالي)

(20)  انظر الملحق ص 36 (محضر إستدعاء)

(21)  مباشرة إثر صدور الحكم ضدّ الإتخاد تمّ تكريم فائزة الزرقاطي و توسيمها من طرف رئيس الدولة.

(22)  انظر الملحق ص ص 37-38 (وثيقة دفاع)

 

(23)  انظر الملحق ص ص 39- 40

(24)  انظر الملحق ص ص 41-42

(25)  نفس الملحق السابق

(26)  انظر الملحق ص ص 43-45

(27)  انظر الملحق ص 10

(28)  انظر الملحق ص ص 46 –48 (تقرير منظّمة العفو الدوليّة)

السجون تتحول إلى مراكز للتنكيل المتعمّد و القتل البطيء

 

 

 

جاء في المادّة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة و السياسيّة ما يلي :

 

"يعامل جميع المحرومين من حريّتهم معاملة إنسانيّة تحترم الكرامة الأصيلة                

 

 

تذكر العديد من التقارير الإعلامية أن من المحكوم عليهم في هذه القضية من أمضى أكثر من أثنى عشرة أعوام كاملة وبدون انقطاع في عزلة تامة عن بقية المساجين محروم من التمتّع بما يخوّله له قانون السجون و ممّا هو مسموح به لغيره مثل جهاز التلفزة و مطالعة الجرائد في حين يعاني آخرون من إستهدافهم لأحكام و عقوبات متعدّدة من أجل اتهامهم بارتكاب نفس الأفعال بما مثّل خرقا فاضحا لقاعدة اتصال القضاء التي تمنع محاكمة البشر من أجل نفس الفعلة مرّتين. كما اشتكى الكثيرون من استمرار إيقاف العشرات رغم قضائهم العقوبات الصادرة ضدّهم(29) وهي حالات تعرّضت لها تقارير مفصّلة أصدرتها جمعيّات و المنظّمات الإنسانيّة    و الحقوقيّة من مثل منظّمة العفو الدوليّة و المجلس الوطني للحريّات بتونس. و الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان و يذكر الجميع أنّ إدارة السجون لم تكتف بفرض العزلة على البعض بل حرمت المساجين الإسلامييّن من التمتّع بالحقوق التي يضمنها القانون لكلّ السجناء إذ أخضعتهم إلى إجراءات خاصّة في كلّ شأن من شؤونهم فمنعت عليهم مشاركة غيرهم حتّى الحديث و الأكل كما منعت عليهم مطالعة الجرائد و إدخال ما يحتاجونه من كتب دينيّة أو علميّة كما حدّدت سقفا أقصى لما هو مسموح لهم به من تأمين مال بخزينة السجن و ضبطت مبلغا لا يكفي لتوفير حاجياتهم كما حرم التلاميذ و الطلبة من حقهم في مزاولة التعليم و إجراء الإمتحانات في حين يتباهى النظام الحالي بحصول بعض المساجين على شهادات علميّة بعد السماح لهم من اجتياز الإمتحانات علما و أنّ العديد من قدماء المساجين السياسيّين حصلوا على شهادات عليا في مجالات تخصّصهم في السجن. و يذكر المساجين و عائلاتهم أنّ إدارة السجن تعمّدت التعدّي على حقوقهم في التعبّد حسب قناعاتهم الدينيّة من ذلك تحجير المصاحف في أحيان كثيرة و منع كتب التفسير و منع الصلاة الجماعيّة و إقامة صلاة الصبح في وقتها و معاقبة كلّ من يرفض الإذعان لتلك القرارات كما يذكر العديد منهم ما يتعرّضون له من إهانات و اعتداءات عند كلّ نقلة من سجن إلى آخر و عند كلّ عمليّة تفتيش للغرفة(30) علما أنّ الإدارة كثيرا ما تتعمّد إخضاع المساجين إلى الإعتداءات بالضرب و بواسطة كلاب مدرّبة و بالعزلة مقيّدين في ظروف لا إنسانيّة كما تتعمّد إخضاعهم للتعذيب بسبب أو دونه و قد انجرّ عن ذلك وفاة البعض منهم في ظروف مشبوهة حتّى تحوّلت السجون التونسيّة حسب بيان لمركز تونس لاستقلال القضاء و المحاماة(31) إلى مراكز للتنكيل بالمساجين بغاية تدميرهم جسديّا و معنويّا و قد تمّ تسجيل العديد من حالات الوفاة داخل السجون نتيجة التعذيب و الإهمال الصحّي(32) كما سجّل إصابة عدد كبير بأمراض مستعصية و قاتلة مثل السرطان و التهاب الكبد و السلّ و العجز الكلويمثل ما جاء تفصيل ذلك صلب تقرير المجلس الوطني للحريّات بتونس لسنة 2001.

 

و يعتقد الكثيرون أنّ المساجين السياسيّين يستهدفون لعمليّة قتل بطيء متعمّدة       و مخطّط لها يلعب فيها الإطار الطبّي و شبه الطبّي في السجون دورا خطيرا جدّا و يخشى الكثيرون أن تكون ظاهرة الإصابة بأمراض مستعصية و فتّاكة نتيجة حتميّة للسياسة المذكورة خاصّة أمام استفحال هذه الظاهرة و رفض السلطة تقديم تفسير مقنع لذلك كرفضها نشر نتائج التحاليل الطبيّة و عمليّات تشريح بعض المتوفّين لكشف الأسباب الحقيقيّة للوفاة إلى درجة أنّ لا أحد غير السلطة يعلم إلى حدّ هذه الساعة أسباب وفاة المرحومين عبد الوهاب البوصاع  و الأخضر السديري الردّادي و قد رفضت السلطة دائما السماح لمراقبين محايدين بزيارة السجون للإطلاع على أوضاع السجناء وهو ما يجعل من العمل على تحقيق ذلك المطلب مهمّة عاجلة و ضروريّة حماية لأرواح مئات البشر.

 

سياسة الاستثناء تحرم المسرحين من العمل و العلاج

 

 

يذكر الجميع أنّ محنة المساجين و عائلاتهم لم تنته بقضاء العقوبة و مغادرة السجن بل استمرّت بعد ذلك إذ اتخذت السلطة من عقوبة المراقبة الإداريّة (عقوبة تكميليّة) غطاء لاستمرار الضغط على المسرّحين و عائلاتهم و ذلك باستباحة مداهمة المنازل في كلّ الأوقات ليلا و نهارا بدعوى التثبّت من وجود المحكوم عليه كإجبارهم على الحضور و الإمضاء يوميّا  و في مراكز متعدّدة تصل بالنسبة للبعض إلى الأربعة و هي مراكز غالبا ما تكون في أماكن متفرّقة و بعيدة عن بعضها البعض كما أجبر البعض على الحضور بالمراكز المذكورة و الإمضاء في حصّتين واحدة صباحا و الثانية بعد الزوال وهو ما حمّل المعنيّين بالعمليّة أتعابا و مصاريف كبيرة و يتعرّض كلّ من تعذر عليه الحضور لسبب أو لآخر للإيقاف و التهديد و الإهانة و الإعتداء بالعنف و حرم العديد منهم حتّى من بطاقات التعريف الوطنيّة كما استحال على المسرّحين مباشرة أيّ عمل لتوفير حاجيّاتهم و حتّى من نجح منهم في العثور على أيّ شغل كان عرضة للملاحقة و المضايقة كما تعرّض كلّ من ينتدب واحدا من المحكوم عليهم للعمل بمؤسّسته أو ضيعته أو محله للمتابعة و التهديد وهو ما أجبر الكثيرين على تسريح من إنتدبوه و طرده من العمل خوفا من تبعات مخالفة تعليمات إدارة أمن الدولة هذا و يذكر الكثيرون كيف تحوّلت المراقبة الإداريّة إلى عمليّة حبس في سجن مضيّق ممّا اظطرّ العديد منهم إلى مغادرة البلاد خلسة بدون وثائق و الإتجاه نحو أقطار غربيّة منحتهم اللجوء السياسي و قد كان مصير كلّ من اظطرّ إلى مخالفة تعليمات الأمن للإيقاف و السجن بتهمة مخالفة قرار المراقبة الإداريّة مثل ما كان الشأن بالنسبة لكلّ من محمّد علي البدوي و سعيد بن سعيد و علي بن سالم في قبلي و محمد الطاهر الكحيلي و حمدي الزواري في تونس و عبد الله الزواري في مدنين و عبد الكريم الزمني ببن عروس الذي أوشك على إنهاء عقوبته التكميليّة (5 سنوات مراقبة إداريّة) و في آخر أسبوع له من الخمس سنوات حضر إلى مركز الحرس للإمضاء في غد اليوم المحدّد فلم تقبل إعتذاراته و أحيل على القضاء الذي حكم عليه بـ15 يوما سجنا نافذة(36) كما عمدت بعض مناطق الشرطة في بعض المناسبات لإحتجاز كلّ الذين أطلق سراحهم في دوائرها طوال يوم و أكثر بدون سبب قانوني في حين منع العديد من الطلبة الذين أنهوا العقوبة المحكوم بها ضدّهم من الترسيم و الدراسة بدون مبرّر قانوني مثلما هو الشأن على سبيل المثال بالنسبة للسادة عبد اللطيف المكي الأمين العام الأسبق للإتحاد العام التونسي للطلبة الذي منع لسنوات من إنهاء تربّصه في الطبّ(37) و عبد المجيد الزار و شكري الكنزاري و محمّد علي الجويني و مراد بركة و غيرهم كثير في حين حرم آخرون من حقّ المشاركة في المناظرات الوطنيّة و حتّى من سمح له بالمشاركة و اجتاز الإمتحان الكتابي بامتياز سرق منه نجاحه مثلما حصل للعديدين في مناظرات الإلتحاق بالقضاء و المحاماة و عدول التنفيذ و المدرسة القوميّة للإدارة حتى أضحى من المعلوم عند الجميع أنّ الإعلان على نتائج المناظرات الوطنيّة يخضع لمراقبة مباشرة من طرف إدارة الإستعلامات بوزارة الداخليّة التي لها وحدها حقّ الرفض أو القبول كما يذكر جميع المتابعين للشأن العام في تونس أنّ العديد من المواطنين تضرّروا ضررا فادحا بسبب قرابتهم الدمويّة ببعض المحكوم عليهم إذ تعمد السلطة في إطار سياسة العقوبات الجماعيّة التي تنتهجها و تنفذها إلى عزل الكثيرين من الوظيف بدعوى " سوء السيرة و السلوك" أو "لأسباب أمنيّة" و ذلك بسبب علاقتهم بأحد المحكوم عليهم مثلما هو الحال بالنسبة لشقيق خالد الربعي و غيره كثير كما تعمد السلطة إلى رفض الرضوخ و الإذعان لأحكام المحكمة الإداريّة القاضية بإلغاء قراراتها التعسفيّة بعزل عشرات المواطنين و حرمانهم من حقّهم في الشغل بدون موجب قانوني و لأسباب سياسيّة و لقد أمعن نظام الحكم في فرض العقوبات الجماعيّة في حقّ عائلات المساجين حتى وصل به الأمر حدّ حرمان أبناء المساجين من التمتع بحقّهم في الحصول على المنحة و السكن الجامعيين بامتناع المعتمديات عن تمكينهم من الشهادات الإدراية اللازمة لتكوين ملفهم كما حرم آخرون من الأبناء و الآباء و الأمهات و الزوجات و الأصهار و الأقارب من حقّ العلاج و التداوي و السفر بامتناع السلط الإداريّة عن تمكينهم من الوثائق اللازمة للحصول على جوازات سفر و بطاقات العلاج التي تخوّل لهم ارتياد المستشفيات في حين حرم البعض من حقّهم في بطاقة التعريف الوطنيّة وهي وثيقة ضروريّة لقضاء أيّة حاجة بما في ذلك زيارة المساجين و حتى من تسبّب التعذيب في محلات وزارة الداخلية في إصابته بإعاقة دائمة يحرم من حقّ الحصول على بطاقة معاق وهي بطاقة تخوّل له التمتّع ببعض الإمتيازات البسيطة مثلما هو الشأن بالنسبة للسجين السياسي السابق علي الحيدري.

 

إنّ خرق أحكام الدستور و أحكام القوانين الجاري بها العمل و القواعد الإجرائيّة الأساسيّة كانت إحدى سمات العشريّة الماضية من تاريخ البلاد و التي تعطّل فيها تنفيذ قاعدة إتصال القضاء ليحاكم البشر من أجل نفس الفعلة مراّت عديدة كما تعطّل تنفيذ قاعدة شخصيّة الجرائم و العقوبات ليحلّ محلّها التتبّع و العقوبات الجماعيّة في أبشع مظاهرها كما تعطّل العمل بالأحكام المتعلقة بانقراض الدعوى و سقوط العقاب بمرور الزمن تحت ستار إعتبار جريمة الإنتماء لجمعيّة غير مرخّص فيها جريمة مستمرّة لا تنقضي بمرور الزمن و قد توّج مسلسل التعدّي على أحكام الدستور و القوانين بتعمّد الإدارة حجز و إيقاف بعض المحكوم عليهم خارج إطار القانون و دون إذن القضاء بعد قضائهم العقوبة المحكوم بها ضدّهم و يمكن لمن يستهدف للحجز المذكور قضاء مدّته داخل مراكز الإعتقال و الإيقاف أو داخل بعض السجون  و يذكر الكثيرون على سبيل المثال حالة السيدّ سمير ديلو الذي إستهدف للإيقاف بعد قضاء العقوبة و قد قضى المدّة الإضافيّة متنقلا من مركز إيقاف إلى آخر كما يذكر المحامون و تقارير المجلس الوطني للحريّات بتونس حالة السجين خالد بن عمر الربعي الموقوف منذ 30/05/1997 و الذي أصدرت الدائرة الجنائيّة بمحكمة الإستئناف بصفاقس بمناسبة القضيّة المرسّمة تحت عدد 8672 ضدّه حكما بالسجن لمدّة أربعة أعوام و رغم إنقضاء العقوبة المحكوم بها ضدّه ما زال خالد الربعي موقوفا بدون وجه حقّ. 

 

كل هذا وغيره كثير ممّا لا يتّسع المجال لذكره يجعل من الضروري بعد مرور عقد كامل على صدور الأحكام في هذه القضية التاريخية والاستثنائية أن يعلم الجميع حقيقة ما حصل وما يحصل يوميا و نحن في الجمعيّة الدوليّة لمساندة المساجين السياسيّين إذ نقدّم هذا العمل الذي نبسط فيه بعض الحقائق ونستعرض فيه البعض مما حدث ويحدث فذلك ليس من باب التشهير ولا الدعاية بل لاعتقادنا أنه من حق من لم يعش تلك المرحلة من تاريخ شعبنا (لسبب أو لآخر) أن يعلم الحقيقة بكل موضوعية وتجرد بعيدا عن كل تهويل أو تقزيم حتى يستخلص العبر ويساهم من موقعه في تجاوز مخلفاتها وآثارها و في العمل على عدم تكرارها حتى لا يظلم أحد بعد ذلك وحتى تكون تونس لكل التونسيين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والعقائدية بما يخلص بلادنا من شبح ما حصل انطلاقا من شهر نوفمبر 1990 تاريخ انطلاق الأبحاث الاستثنائية في هذه القضية.


(29)  نذكر كمثال فقط حالات السادة مصطفى العرفاوي و خالد الربعي و نبيل النوري و رضا السعيدي و لطفي العمدوني و شكري بحريّة و علي الصمدي و محمّد طاهر الغيضاوي و يوسف النوري على أنّ وضعيّة السيّد الحبيب اللوز تعتبر مثالا نموذجيّا لخرق قاعدة إتّصال القضاء إذ لم تمنع محاكمته من طرف المحكمة العسكريّة إحالته على أغلب المحاكم في البلاد من محكمة بنزرت (القضيّة عدد 79111 بتاريخ 7/05/1992) حتى محاكم قابس  و صفاقس مرورا بمحاكم الكاف و تونس (القضيتين عدد 491/51356 بتاريخ 15/06/1992 و 69221 بتاريخ 5/02/1993). 

(30)  انظر شهادتي السادة علي الإصبعي و عبد الكريم المطوي

(31)  انظر الملحق ص ص 49 - 51

(32)  انظر الملحق ص 12 (قائمة المتوفّين في السجون)

(36)  انظر ملحق ص 16 (قائمة ضحايا المراقبة الإداريّة)  

(37)  انظر شهادة السيد عبد اللطيف المكيّ

 

 

Enter supporting content here