2.15- الإعتداء المقصود
به تبديل هيئة الدولة
: جريمة
سياسيّة
و
موضوع الجريمة السياسيّة
شائك لكن يكفي القول بأنّ
مفهومها
متحوّل أبدا و نسبي في
كلّ الحالات يتغيّر بتغيّر
أصول الحكم و القواعد
التي تحدّد
علاقة الدولة بمواطنيها
و هذه الجريمة قديمة قدم
السلطان و الحكم و قد ظهرت
لما
شعرت المجموعات البشريّة
بضرورة الدّفاع عن وجودها
من خطر بعض الأفراد ممن
لهم
نوازع ترمي إلى تفكيك
الكيان الجماعي
و
لذلك فإنّ تعريف الجريمة
السياسيّة يكون دوما
تعبيرا عن موقف الدولة
حيال من
يعادي نظامها ليس إلا.
و
إذا لم يتعرض نصّ المجلة
الجنائيّة التونسيّة
الواردة بأمر 1913 إلى عبارة
الجريمة
السياسيّة التي لم ترد
إلا سنة 1926 في أمر 29 جانفي
1926 المتعلق بعقاب الجرائم
السياسيّة فإن المشرّع
التونسي بعد الإستقلال
قد تفادى استعمال العبارة
التي لم
ترد إلا في أمر 19 أفريل 1956
المتعلق بإحداث المحكمة
العليا و لقد وردت عبارة
الجريمة السياسيّة في
الفصل 17 من الدستور التونسي
و في الفصل 313 من مجلة الإجراءات
الجزائيّة في باب التسليم
و قي الفصل 251 من مجلة الشغل
و يبقى السؤال مطروحا
هل
أنّ عدم استعمال المشرّع
لعبارة الجريمة السياسيّة
يعني أنّه لا يعترف بهذا
النوع
من الجرائم و الجواب قطعا
لا و ذلك للإعتبارات التالية:
لقد
ضبطت المجلة الجنائية
سنة 1913 من بين العقوبات عقوبة
لا تنطبق إلا على المجرمين
السياسييّن وهي عقوبة
النفي.
كما
حجّر الفصل 17 من الدستور
تسليم اللاجئين السياسيين
مع ما تبع ذلك من مصادقة
على
اتفاقيّات إلتزمت بمقتضاها
تونس بأن تستثني من ميدان
تبادل المجرمين صنف المجرمين
السياسييّن.
و
ما إحداث محكمة مختصّة
بالنظر في أهمّ الجرائم
السياسيّة و نعني بذلك
محكمة أمن
الدولة التي و إن وقع حلها
فإنّ مشمولاتها أحيلت
إلى غيرها من المحاكم
إلا دليل
على ذلك وهو إتّجاه أكّده
إعادة عمل المشرع التونسي
بعد الاستقلال بالفصول
الحامية
لأمن الدولة الداخلي
بمقتضى أمر 29/11/1955 و أمر 10 جانفي
1957 حيث وقع تعزيز
المجلة الجنائيّة بأحكام
تحمي الأمن الخارجي للدولة.
يقول
قارسون أحد كبار فقهاء
القانون الجنائي الفرنسي
" تكون الجريمة
السياسيّة عندما يكون
غرض المجرم سياسيّا"
كما يقول الفقيه قارو"
تعتبر جريمة سياسية كلّ
جريمة تفضي إلى تقويض
النظام السياسي أو تعديله
أو
الإخلال به" و كذا اتجهت
الأستاذة سكينة بوراوي
أستاذة القانون
بالجامعة التونسية عندما
اعتبرت أنّ مرونة الجريمة
السياسيّة تجعل من الصعب
تحديدها بصيغة الحصر
بل لا يمكن إلا الإشارة
إلى بعضها مثل جرائم المساس
بأمن
الدولة
.
و
كذا اتجه الأستاذ رافع
بن عاشور أستاذ القانون
و العلوم السياسيّة
في دراسة له حول جريمة
الخيانة العظمى التي
اعتبر أنّها (أي جريمة
الخيانة
العظمى) ككلّ الجرائم
السياسيّة تنشأ عن أعمال
و أفعال موجّهة ضدّ الدولة
و
مؤسّساتها الدستوريّة
لكن على عكس الجرائم السياسيّة
الأخرى كمحاولة تغيير
شكل
الدولة...).
و
لقد أوضح المؤتمر الدولي
السادس المنعقد سنة 1935 لتوحيد
القانون الجنائي أنّ
الجرائم السياسيّة هي
الجرائم الموجّهة ضدّ
نظام الدولة أو سير جهازها
و كذلك
الجرائم الموجّهة ضدّ
حقوق المواطن السياسيّة.
كما
أكّدت محكمة أمن الدولة
عندما نظرت في قضيّة حركة
الوحدة الشعبيّة سنة
1977
هذا الإتجاه بقولها "و
خلاصة القول أنّه و إن
اختلف الفقهاء في تحديد
معايير تعريف الجريمة
السياسيّة (معايير شخصيّة
أو موضوعيّة) فإنّ من الجرائم
ما
لا يثير إشكالا حول وصفها
بكونها سياسيّة أمثال
جريمة الحال" و باعتبار
الطابع الخاص للجرائم
السياسيّة نلاحظ و أنّه
من جملة 18 فصلا التي تنظم
جرائم
الإعتداء على أمن الدولة
في تونس نجد 7 منها ترتئي
عقوبة الإعدام و 3 عقوبات
بالأشغال الشاقة و الحال
أنّه على جملة باقي فصول
المجلة الجنائيّة (192) لا
وجود
لعقوبة الإعدام إلا في
4 حالات فقط.
و
بالإضافة إلى كونها جريمة
سياسيّة فإنّ الإعتداء
المقصود به تبديل هيئة
الدولة هو
من صنف جريمة الفاعل المتعدد
بما يفسر كثرة عدد المتّهمين
في مثل هذه
القضايا لأنّ الإعتداء
المذكور لا يمكن أن يتحقّق
على يد فرد واحد.
3.15- أركان جريمة الإعتداء
المقصود به تبديل هيئة
الدولة
أ-
الركن المعنوي :
لما
كانت الجريمة قصديّة
فإنّه لا يكفي لتوفّر
أركانها أن تنصرف إرادة
الجناة إلى
إنجاز محاولة تستخدم
فيها القوّة إذ لم يثبت
أن الغرض من هذه المحاولة
هو قلب أو
تغيير هيئة الدولة و هذا
ما يستفاد من صريح نصّ
التجريم و على هذا الأساس
فإنّ
جريمة الإعتداء هي في
أغلب حالاتها تحالف مجموعة
و تقاررهم على الإطاحة
بالنظام و
لم يكتف المشرّع بالعزم
و التقارر و القصد
الراسخ بل تجاوز ذلك إلى
ارتكاب أفعال ماديّة
يفهم منها صراحة غاية
فاعلها و معنى
القصد الإجرامي في جريمة
الحال هو أن يشترك العضو
في الإتفاق الجنائي وهو
عالم
أن الغرض منه ارتكاب جناية
من الجنايات المخلة بأمن
الدولة و أن يكون قد أراد
ارتكاب هذه الجناية
المتفق عليها بجميع أركانها
كما يحدّدها القانون
أي
أنّه أراد أن يشترك في
الإعتداء اشتراكا جديّا
مخلصا وهو ما يعني اتحاد
إرادات
الجميع و اتفاقهم ووعيهم
بما تعاقدوا عليه.
ب- الركن المادّي :
يتخذ
السلوك المكوّن للجريمة
ماديّا صورة استعمال
القوّة على أيّة صورة
و بأيّ قدر
في محاولة لتبديل هيئة
الدولة أو حمل الناس على
مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح
أو
إثارة الهرج و القتل بالتراب
التونسي و إذا كانت صور
استعمال القوة عديدة
فإنّه يجب لتوافر الجريمة
حدوث محاولة بالقوّة
للوصول إلى هدف من تلك
الأهداف و
حتّى إذا كانت هناك مؤامرة
للقيام بالمحاولة و أخذ
الأعضاء يتدارسون أسلوب
إنجازها
فضبطوا قبل أن يقوموا
بمحاولتهم فإنّ أركان
الجريمة لا تتوفّر و الفرق
بين
المحاولة و بين مجرّد
التآمر هو الفرق بين الشروع
في الجريمة و بين مجرّد
الإتفاق
على ارتكابها أي الفرق
بين البدء في التنفيذ
و بين مجرّد العزم أو التحضير
حتى
أنّه تستخدم للتمييز
بين الأمرين في القانون
الفرنسي كلمة الإعتداء
Attentat و كلمة Complot.
و
إذا كانت التشاريع القديمة
لم تفرّق بين الأعمال
التحضيريّة و الأعمال
المكوّنة
للإعتداء فإنّ القانون
الفرنسي و كذا المشرّع
التونسي قد فرّقا بينهما
بوضع فصلين
منفصلين 68-72.
ج-
الإعتداء و العمل التحضيري
و
قد جاء في بحث للأستاذ
الفرنسي فيتو "أنّ
العمل التحضيري بيقى
غامضا و بسبب الردح من
الزمن الذي لازال يفصله
عن ارتكاب
الجريمة فهو يترك حيزا
متسعا نسبيّا للعدول
عن المشروع بينما يدلّ
بدء التنفيذ على
إرادة ثابتة و لا رجعة
فيها للذهاب حتّى النهاية
مقترنة بأعمال قريبة
جدّا في
الزمن من الهدف النهائي".
و
لئن أسّست دائرة الإتهام
قرارها في إحالة المتّهمين
على المحكمة العسكريّة
على
فقرة يتيمة جاء فيها ما
يلي "إثر نجاح المرحلة
الثالثة من المخطّط
الإنقلابي وقع الشروع
في التمهيد للإنتقال
إلى المرحلة الرابعة
و ذلك من أفريل
1991 و ذلك بأن أمرت الحركة
بصنع وسائل الإرهاب من
متفجّرات و أسلحة ناريّة
وعبوات
ناسفة و إعداد الوسائل
البشريّة و الماديّة
لاحتلال مقرّات الأمن
و عزل المناطق عن
بعضها البعض كصنع لافتات
تحمل شعارات انتصار الحركة
لرفعها عند احتلال الشارع
و
على ما أضيف لملف القضيّة
من ملفات فنيّة مجسّمة
لجرائم الإعتداء على
الأرواح و
الممتلكات المنسوبة لأعضاء
الحركة في إطار تنفيذ
المخطط الشامل من مثل
حرق شعب
التجمّع و حرق مقر لجنة
تنسيق التجمع بباب سويقة..."
فلقد حمل القرار المذكور
في طيّاته تناقضا رهيبا
فهو من
جهة يتحدّث عن توفّر أركان
جريمة الإعتداء
و من ناحية أخرى نجده
يتحدّث على توفر ركن الإعداد
و التحضير لارتكاب جريمة
الإعتداء و التمهيد
للدخول في المرحلة
الرابعة.
و
بما أنّ الإعداد و التحضير
غير الإعتداء فإنّ تأسيس
قرار دائرة الإتهام على
عمليّة تجميع لأحداث
متفرّقة عاشتها البلاد
خلال مدّة عامين
اثنين يجعل ملف القضيّة
خال ممّا يفيد بصفة قطعيّة
ارتكاب الأفعال المذكورة
من طرف
عناصر نهضويّة خاصّة
و أنّ العديد من الأحداث
المعتمدة هي عبارة عن
تحركات
شعبيّة حدثت بمناسبة
حرب الخليج. و إن كان الإعتداء
يجمع ألوانا شتى من الأفعال
التي تؤلف في حدّ ذاتها
جرائم خاصّة و قد لا تؤلف
فإنّ ما ينبغي أن يربط
بينها
الغرض الإجرامي الذي
يسعى إليه الفاعلون و
كان على النيابة العمومية
أن تثبت أولا
وقوع هذا الفعل المادي
الخارجي و ثانيا صدوره
عن عناصر منتمية
للحركة و ثالثا
وجود
الصلة التي تربط بين هذا
الفعل و بين هدف الإعتداء
المدعى به أما إذا كان
الفعل
المادي يشكل جريمة خاصة
فيعاقب فاعله بالعقوبة
المقررة للجريمة المستقلة
فما بالك
إذا سبق للقضاء أن تعهّد
بتلك الفعلة و أصدر حكمه
بالإدانة أو البراءة
فيها ممّا
يحيل إلى اتصال قضاء في
الموضوع لا يجوز بعد ذلك
إثارته مطلقا حتى لا يؤول
الأمر
إلى تضارب أحكام و تناقض
لا مبرّر له.
و
لقد ركّز قرار دائرة الإتهام
على العديد من الأفعال
من مثل حادثة باب سويقة
و
حادثة الإعتداء على كلية
الآداب بالقيروان و ملف
القضية المنشورة لدى
المحكمة
الإبتدائيّة ببن عروس
بمكتب التحقيق الأول
تحت عـ1820ـدد.
كما
قدّم كل من علي الإصبعي
و محمد بن نجمة و نجيب الخذيري
و دانيال زرّوق و محسن
الجندوبي على أنّهم المنظمون
لعملية باب سويقة و المشرفون
على تنفيذها
في محاولة لربط الصلة
بين قيادة حركة النهضة
و العملية المذكورة و
الحال
أنّ قاضي التحقيق المتعهد
بالنظر في القضية المذكورة
قد برّأ ساحتهم و حفظ التهمة
في شأن كلّ واحد منهم.
في
حين أنّ قاضي التحقيق
المتعهد بالنطر في الملف
عـ1820ـدد المنشور بالمحكمة
الإبتدائيّة ببن عروس
لم يتخذ قراره تاريخ صدور
الأحكام و هذا القرار
يمكن أن يكون
بالإحالة أو الحفظ أو
غير ذلك. كما أنّه لا يجوز
اتخاذ مثل هذه الأفعال
دليلا على
وقوع الإعتداء خاصّة
و أنّه لم يثبت بصفة قطعيّة
لا حصول هذه الأفعال و
لا صدورها
عن أبناء حركة النهضة
و لا وجود الصلة بينها
و بين المخطط المذكور
موضوع
الإحالة أمام المحكمة
العسكريّة و على فرض جديّة
ما نسبه قرار دائرة الاتهام
للمتّهمين و بالرغم من
أنّ تقدير الركن الماديّ
موكول لمحكمة الموضوع
تحت مراقبة
محكمة التعقيب فقد استخلص
فقهاء القانون وفقه القضاء
بعض العناصر التقديريّة
إذ
اعتبر فيتو "أنّ خزن
الأسلحة و توزيع الأزياء
و الأدوار على
المتآمرين و تكوينهم
وحدات و أقسام و الاستيلاء
على معدات و أسلحة و أرصدة
لتمويل
جماعة المتهمين و كذلك
الإختطافات و احتجاز
الخصوم يعدّ من الأعمال
التحضيريّة" كما رأى
الأستاذ هارزوغ "أن
شراء الأسلحة و
كراء المخازن لإيداعها
ليس سوى أعمالا تحضيريّة"
و ما دمنا بصدد مناقشة
الإفتراضات التي أسّس
عليها قرار دائرة الإتهام
اتهامه بناءا على أنّ
أتباع حركة
النهضة قاموا بتنظيم
مجموعة من المسيرات و
ما نجم عنها من أحداث و
اصطدامات مع
قوات الأمن فإنه لا مناص
من التذكير بأنّ المجلة
الجنائيّة في باب جرائم
الإعتداء
على أمن الدولة تتناول
قصدا محددا و لذلك اتجه
فقهاء القانون "إن المقاومة
و لو كانت مسلحة لسلطة
أعوان السلطة تمثل عصيانا
لا اعتداءا على أمن الدولة"
و لذلك جاءت الفصول من
116 إلى 124 لتعاقب على ذلك.
كما
استخلصوا أن إثارة الهرج
و القذف و السلب لا يثبت
إلا متى هدفت المجموعة
إلى
القيام بمجموعة من جرائم
القتل و من أعمال السلب
و التحطيم كما اعتبروا
أنّ جمل
السكان على مهاجمة بعضهم
بعضا بالسلاح و بالرغم
من غياب عبارة الحرب الأهلية
فلابدّ من التسليم بأنّ
المشرّع لم يقصد تجريم
التحريض على معارك محدودة
أو على
أعمال عنف فرديّة لأنّ
الجريمة تفترض التحريض
على معارك ذات بال و لها
من
الإستمراريّة ما يخوّل
الحديث عن حرب أهليّة.